بتلك الشدائد فعلموا أن المسلم ما خلق للهو واللعب ، ولا للكسل والتواكل ،
ولا لنيل الظفر ونيل السيادة بخوارق العادات ، وتبديل سنن الله فى المخلوقات ، بل
خلق ليكون أكثر الناس جدّا فى العمل ، وأعظمهم تفانيا فى أداء الواجب اتباعا
للنواميس والسنن التي وضعها الله فى الخليقة.
وقد تجلى أثر
هذا التمحيص فى الغزوات التي تلت هذه الوقعة ؛ ففى غزوة (حمراء الأسد) أمر النبي
صلى الله عليه وسلم ألا يتبع المشركين فيها إلا من شهد القتال بأحد فامتثل
المؤمنون أمره بقلوب مطمئنة ، وعزائم صادقة ، وهم على ما هم عليه من الجراح
المبرّحة ، والقلوب المنكسرة.
(وَيَمْحَقَ
الْكافِرِينَ) أي ويجعل اليأس يسطو على قلوبهم ، وفقد الرجاء يذهب
بعزائمهم ، فلا يبقى لديهم شجاعة ولا بأس ، ولا قلّ ولا كثر من عزة النفس ، فيكون
وجودهم كالعدم لا فائدة فيه ، ولا أثر له ، فالكافرون المبطلون لا يثبت لهم حال مع
المؤمنين الصادقين ، وإنما يظهرون إذا لم يوجد من أهل الحق والعدل من ينازعهم
ويقاوم باطلهم.